مساء الثلاثاء الماضى اتصلت هاتفيا بالدكتور عبد الفتاح البنا أستاذ الترميم بكلية الآثار جامعة القاهرة، فأبلغنى أن مسئولا رفيعا بالرقابة الإدارية اتصل به وأبلغه بترشيحه وزيرا للآثار، وأجرت الرقابة تحريات مكثفة عن الذمة المالية، وسمعة البنا لعدة أيام، قبل أن يتصل به مكتب رئيس الوزراء لإبلاغه بترشيحه رسميا لمنصب وزير الآثار والحضور بعد ظهر الأحد لمقابلة عصام شرف فى مقر مجلس الوزراء.
وبعد أقل من ساعة من إعلان الترشيح رسميا بدأت حملة مناهضة ضده داخل المجلس الأعلى للآثار، بحجة أن البنا ليس أثريا، وبالتالى فاختياره وزيرا إهانة للأثريين فى مصر.
التحق عبد الفتاح البنا بكلية الآثار جامعة القاهرة عام 1979 وتخصص فى ترميم الآثار، وحصل على الدكتوراه فى ترميم الآثار الحجرية من بولندا، وأمضى حياته العملية منذ عام 1983 وهو يرمم آثار مصر ويدافع عنها، ويحارب الفساد داخل جامعة القاهرة، وداخل هيئة الآثار المصرية، حتى أصبح واحدا من المغضوب عليهم، لأنه لا يحتكم لغير ضميره، ولا يخاف سوى الله.
شارك البنا فى تأسيس الجمعية المصرية للتغيير، ونظم مؤتمرا شعبيا ومسيرة حاشدة للجمعية فى مسقط رأسه بمدينة ديرب نجم بمحافظة الشرقية فى سبتمبر 2010 ضد التوريث، وهتف ومعه المتظاهرون بسقوط الرئيس السابق حسنى مبارك وهو فى السلطة.
وفى الخامس والعشرين من يناير كان من قادة المظاهرات المطالبة بالخبز والحرية والعدالة الاجتماعية، وفى جمعة الغضب 28 يناير، قاد البنا مسيرة أخرى من جامعة القاهرة حتى كوبرى قصر النيل وهى التى اقتحمت ميدان التحرير، رغم أنه اعتقل قبلها بأيام فى أمن الدولة وتم سحب هاتفه النقال لمنعه من الاتصال بزملائه.
وفى مساء الثامن والعشرين من يناير بينما كانت مصر فى الشارع، كان عبد الفتاح البنا يتصل بى من رقم موبايل جديد ليبلغنى أولا بأول بمحاولات سرقة مخازن الآثار فى الشرقية وسيناء وغيرها، حتى أقوم بالاتصال بالقنوات الفضائية لتتحرك والشرطة العسكرية لحماية تلك المناطق التى تحوى تاريخ مصر.
وحين شرع الدكتور عصام شرف فى تشكيل حكومته الأولى رشح الدكتور البنا وزيرا للآثار لكنه اعتذر، ورشح بدلا منه الدكتور علاء شاهين عميد كلية الآثار، معتبرا أن هذه المرحلة تحتاج أثريا، لكن حين عرض عليه المنصب مرة ثانية قبله لأن الآثار تحتاج فى هذا التوقيت مواجهة صارمة مع مافيا سرقة وتهريب أثارنا للخارج، وإلى تصحيح أوضاع العاملين البسطاء المختلة بهيئة الآثار، لكن يبدو أن صوت مافيا سرقة الآثار كان أعلى من أن يتحمله رئيس الوزراء الذى استجاب للضغوط وسحب ترشيح الدكتور البنا.
اتصلت بالصديق عبد الفتاح البنا بعد أن أبلغ قبل حلف اليمين بساعة أنه تم تأجيل الترشيح، وأردت أن أواسيه فإذا به يشعر براحة فالمهمة لم تكن سهلة، وقد قرر قبولها فى ظرف عصيب لإنقاذ آثار مصر، مؤكدا أنه سيستمر على دفاعه عن تاريخ مصر وحضارتها وسيتصدى لكل حرامية الآثار مهما كان صوتهم عاليا.
اختلف سياسيا مع الصديق الدكتور عبد الفتاح البنا، لكننى لا أشك فى طهارة يده، وفى حبه لبلده، وفى خوفه عليها، وفى إيمانه بأن آثار مصر هى أعظم ما نملك فى هذه اللحظة العصيبة، وهو لن يتوقف عن الدفاع عن آثار مصر.. ونحن معه.